الاستقلال المالي للمرأة بين الواقع والوهم: كيف تحوَّل إلى معيار يهدد العلاقة الزوجية؟

يتناول هذا المقال ظاهرة الاستقلال المالي للمرأة في المجتمع السعودي وماذا يعني فعلاً. يناقش كيف أن تحول الاستقلال المالي من مفهوم صحي يعزز كرامة المرأة إلى معيار سطحي للمكانة الاجتماعية قد يهدد العلاقة الزوجية. يستعرض المقال الآثار النفسية والاجتماعية لهذا التحول ويناقش أهميته في خلق توازن بين القيم المادية والروحانية والشراكة الحقيقية.

الاستقلال المالي للمرأة بين الواقع والوهم: كيف تحوَّل إلى معيار يهدد العلاقة الزوجية؟
مفهوم الاستقلال المالي للمرأة وتأثيره على العلاقة الزوجية في السعودية.


يتحدَّث الناس كثيرًا هذه الأيام عن الاستقلال المالي للمرأة، وكأن القدرة على إعالة الذات هي مفتاح السعادة الزوجية أو دليل على النجاح الشخصي. هذا الطرح يخفي وراءه معاني أعمق؛ فالاستقلال المالي كان في الأصل وسيلة لتمكين المرأة من اتخاذ قراراتها، ومشاركة الرجل في تحمل أعباء الحياة، وليس منصة للمفاخرة أو وسيلة لابتزاز الشريك. عندما تتحوّل بعض النساء إلى اعتقاد أن الراتب أو الحساب البنكي هو معيار الكرامة وأن الرجل لم يعد ضروريًا إلا لإشباع رغبات مادية، تنقلب معادلة العلاقة من شراكة متوازنة إلى مباراة قوة.

ثمة نساء يستغللن شعار الاستقلال المالي ليبررن تخلِّيهن عن أبسط أدوارهن الأسرية، ثم يطالبن الرجال بمزيد من العطاء المادي تعويضًا لما تخلين عنه. يصِرنَ عاملات لكنهن لا يستثمرن دخولهن في بناء بيت أو دعم زوج، بل يُحوِّلن المال إلى أداة ضغط، ويُصرِفْنَه في تسليع الذات وشراء صورة اجتماعية زائفة. من المفارقة أن بعضهن يطلبن عدالة في الحقوق ويحرصن في الوقت ذاته على امتيازات المرأة التقليدية؛ فيطالبن بالمساواة في العمل والحقوق، لكنهن لا يرغبن في التنازل عن الهدايا أو المهر أو النفقة، فيتضاءل مفهوم الشراكة ليصبح معادلة معقدة لا يربحها أحد.

في المجتمع السعودي المعاصر، تتقاطع الحداثة مع التقليد، ويعيش كثير من الأزواج في حالة ارتباك بين أدوار تاريخية وأحلام معاصرة. الاستقلال المالي هنا ليس مجرد رقم في كشف الراتب، بل مفهوم ثقافي يشكّل الوعي الجمعي. على الرغم من أن الدين الإسلامي لم يمنع المرأة من العمل أو امتلاك المال، فإنه يربط الحقوق بالمسؤوليات، إذ يقول تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» (البقرة: 228)، وفي آية أخرى: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم» (النساء: 34). هذه الآيات تُذكّر بأن الإنفاق والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، وأن استقلال المرأة المالي لا يعني فقدان الرجل لمكانته ولا تجريد المرأة من التزامها تجاه زوجها وأبنائها.

علم النفس يؤكد أن الاستقلال المالي يعزز شعور الإنسان بقدرته على السيطرة على حياته ويقلل من تعرّضه للاستغلال، لكنه أيضًا يشير إلى أن المال قد يصبح مصدر صراع إذا استُخدم لفرض الهيمنة أو لقياس قيمة الشريك. أظهرت دراسات أن الأزواج الذين يتعاملون مع المال كرمز للسيطرة يقل مستوى الرضا لديهم، بينما تتحسن العلاقات لدى من ينظرون إليه كأداة لتحقيق الأمن ومشاركة الأهداف. بمعنى آخر، الراتب ليس طوق نجاة ولا سلاحًا للهجوم، بل وسيلة لبناء العش المشترك.

من زاوية فلسفية، تُثير قضية الاستقلال المالي سؤالًا وجوديًا: ما القيمة التي تضيفها المرأة للحياة الزوجية مقابل ما تطالب به؟ هل تساءلت المرأة التي تصر على المظاهر والسلع الفاخرة: هل لدي قيمة تضيفينها لزوجك تعادل ما تطالبينه منه وتساعدك في الحفاظ عليه أو أن خسارته حتمية؟ القيمة ليست في الأموال فقط، بل في الرعاية والمحبة والاحترام والتضحية. الرجل الذي ينفق ماله ووقته ليُرضي زوجته يستحق شريكة تدرك جهده وتحترم إنسانيته، لا مستهلكة تُقيمه بحجم هداياه.

عندما يتحول الاستقلال المالي إلى وهم، تعيش بعض النساء تحت ضغط صورة مثالية تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي، فتقارن زوجها برجال غير واقعيين وتنسى أن كل علاقة لها ظروفها الخاصة. يظهر الاستحقاق العالي؛ فتطالب ببيت فاخر ومجوهرات وسيارة بدون أن تعطي مقابلًا معنويًا. هذا المنطق يحول الزواج إلى سوق، والعاطفة إلى صفقة، ويجعل البحث عن شريك آخر أمرًا متوقعًا إذا لم يجد الرجل ما يعادل ما يبذله من تضحيات.

في المقابل، يمكن للاستقلال المالي أن يكون قوة حقيقية إذا فهمته المرأة بوصفه قدرة على العطاء والدعم، لا وسيلة للافتخار والتعالي. المرأة التي تعمل وتكسب تستطيع أن تساهم في سداد الديون، أو الاستثمار في تعليم الأبناء، أو التخفيف عن زوج مرهق؛ بذلك تتحول من مستهلكة إلى شريكة، ومن عبء إلى مصدر طاقة. هذا النوع من النساء لا يُهدد رجولة الرجل، بل يجعله يفتخر بها، لأنهما يتشاركان الأهداف ويتعاونان على بناء حياة متزنة.

في الختام، الاستقلال المالي للمرأة بين الواقع والوهم قضية تستحق النقاش بعيدًا عن الشعارات. فلا أحد ينكر أن للمرأة الحق في العمل والكسب، لكن هذا الحق لا ينبغي أن يتحول إلى وسيلة لابتزاز الرجل أو لإلغاء دوره. الرجل والمرأة كائنان متكاملان، كل منهما يحتاج الآخر ويضيف إليه. إذا فهمت المرأة أن قيمتها الحقيقية ليست في الراتب بل في ما تمنحه من حب ودعم واحترام، وإذا أدرك الرجل أن دعم استقلال المرأة لا يهدد مكانته بل يعزز شراكته، عندها يمكن أن يتحول المال إلى أداة لبناء علاقة متينة، لا إلى معيار يهددها. وإلا فإن النهاية ستكون مؤلمة لكل طرف يعتقد أن القيمة تقاس بالمال فقط.